فهد سعيد الحارثي
متخصص في مجال الجودة والمخاطر
يرتكز علم الجودة على تحقيق “رضا العملاء” وهذا الرضا يتحقق من خلال عمل المؤسسات على تحديد توقعات العملاء والعمل عليها وصولاً إلى تحقيق رضاهم حول الخدمات والمُنتجات المقدمة، وهنا يجب أن تدرك المنظمات الفرق بين احتياجات العميل وتوقعاته؟ فالمؤسسة وجدت لتحقيق احتياجات المستفيدين وهو سبب وجودها بالأساس لذلك لا يتم تقييم الرضا على مدى تحقيق المؤسسات لتلك الاحتياجات إنما بمدى تحقيق التوقعات.
أضرب مثالًا على ذلك، بالمؤسسات التي تقدم خدمات إصدار التصاريح للمستفيدين فهي فعلياً تقوم نيابة عن الدولة بتحقيق حاجة لدى المستفيد إما ما يتوقعه المستفيد منها فهو أن تكون تلك الخدمة مقدمة بطريقة مميزة وسهلة ومرنة وسريعة وبالتالي رضا العملاء سوف يُقاس من خلال تلك التوقعات أما الاحتياجات فهو أمر مفروغ منه.
في إحدى ورش الجودة تدارسنا موضوع “مصيدة الجودة”، ففي عام 1988 بإحدى دوريات الجمعية الأمريكية للجودة قام فوستر بنشر نموذج بعنوان “رد الفعل على كون العميل موجهاً للجودة”، يعرض من خلاله الأثر المترتب في استمرار المنظمات بتحسين الجودة بناء على رد الفعل تجاه صوت العميل وهو ما أسماه أستاذنا العزيز محمد البنا “مصيدة الجودة” والمصيدة هنا المقصود بها اعتماد المؤسسات اعتماد مطلقاً على الاستجابة لتوقعات العملاء فقط في تطوير منتجاتها وخدماتها ما سيُؤدي في مراحل لاحقة إلى الإخفاق، والمتتبع لسلوك العملاء يدرك أن توقعاتهم تتزايد بمعدل متسارع عن قدرات المؤسسة للإيفاء بها يضاف إلى ذلك عامل المنافسة.
إذًا.. ما الحل؟ الحل يكمن في عمل المؤسسات بشكل مستمر على تجاوز توقعات العملاء وليس مقابلتها فقط، وهذا لن يتأتى إلا بوجود منظومة ابتكار وإبداع مؤسسي تمنح الأفضلية للمنظمة على منافسيها من خلال تفوقها على توقعات عملائها وهذا ما يضمن الاستدامة المؤسسية وهي من أعلى المراحل وتأتي بعد قياس الأداء والجودة والتميز وليس قبل ذلك.
خلاصة القول.. إنه يجب تفعيل ثقافة الإبداع والابتكار والاهتمام بها على مستوى المؤسسات ويجب العمل على تجاوز توقعات العملاء وليس التركيز على تحقيقها فقط، وأن الاستدامة لن تتأتى إلا من خلال الانتقال لمختلف المراحل من قياس الأداء إلى الجودة ثم للتميز وهذا المصطلح يندرج ضمنه منظومات إدارة المعرفة والابتكار وقيادة الأداء والتحول واستشراف المستقبل …، فإن كنت تجاوزت مرحلة الجودة وصولاً للتميز المؤسسي فأنت لم تحقق الاستدامة بالجودة بعد، وإن لم تبتكر ما يميزك عن منافسيك ويجذب عملاءك ويمنحهم الولاء الدائم والمطلق لك نتيجة ابتكاراتك وإبداعاتك فأنت كمؤسسة مهددة في مرحلة ما بالإخفاق.
تم نشر هذا المقال في جريدة الرؤية بتاريخ 15 ديسمبر 2021