Skip to content Skip to footer

المخاطر وحماية القيمة

فهد بن سعيد الحارثي

ما زالت الكثير من مؤسساتنا اليوم تنظر إلى إدارة المخاطر كإجراء امتثال او كمتطلب مؤسسي او حكومي او حتى نوع من أنواع الترف المؤسسي، لا كأداة استراتيجية لحماية القيمة وهذا الفهم المحدود جعل المخاطر تُختزل في قائمة احتمالات بدل أن تكون عدسة تكشف ما يهدد وجود المؤسسة وقيمتها الحقيقية ووقعنا في معضلة مناقشة الاحتمالية × الأثر ونسينا ان هناك قيمة من وجودنا.

كلما تعمّقت أكثر في إدارة المخاطر وسعيت إلى إتقانها، أدركت أن المشكلة لم تكن يومًا في تطبيق إدارة المخاطر بحد ذاتها، بل في غياب إدراكنا لقيمة وجودنا كمؤسسة ، كنا نعمل داخل دائرة مؤسسية مغلقة، نركز على معالجة كل ما قد يعيق أهدافنا التشغيلية، ونظن أننا بذلك نحمي المؤسسة،لكن الخطر الأكبر لم يكن داخل الدائرة بل خارجها، حتى صدمنا بسؤال بسيط لكنه جوهري: ما جدوى وجود هذه المؤسسة أصلاً؟

كيف وصلنا إلى هذا التساؤل ونحن الذين كنا نُعدّ مثالًا في الأداء والانضباط؟ الجواب أن الأداء وحده لا يكفي إذا لم يُبنَ على وعي بالقيمة الحقيقية للوجود المؤسسي، فالهدف لم يكن – ولن يكون – مجرد تقديم الخدمة بأفضل طريقة تشغيلية ممكنة، بل في تحقيق الغاية الأسمى من وجود المؤسسة: خلق الفرص، تعزيز الرفاه، والمساهمة في تحسين النسيج المجتمعي ، واذا كانت المؤسسة لا تدرك أو لم تحدد قيمة وجودها فهي بلا بوصلة حقيقية لأدارة المخاطر.

المخاطر كأداة لحماية القيمة

إذا أردنا اليوم أن نحقق الغاية الحقيقية من تطبيق إدارة المخاطر، فعلينا أولًا أن نفهم قيمة وجود المؤسسة، فالمسألة لا تتعلق فقط بحماية الأهداف التشغيلية وتوفر نظام للمخاطر فقط ، بل تتعلق بحماية تلك القيمة الجوهرية التي من أجلها وُجدت المؤسسة،ووفقًا لإطار ISO 31000:2018 فإن إدارة المخاطر ليست مجرد وسيلة للتعامل مع الأزمات أو أداة للامتثال، بل هي أداة استراتيجية لحماية القيمة من خلال:

  • كشف التهديدات مبكرًا: مثل تعطيل الخدمات الأساسية أو فقدان ثقة المجتمع نتيجة ضعف الشفافية.
  • حماية الموارد العامة: سواء كانت مالية، بشرية، تقنية، أو حتى السمعة المؤسسية.
  • ضمان استمرارية الخدمات: بحيث تبقى القطاعات الحيوية كالتعليم، الصحة، والنقل قادرة على العمل حتى في مواجهة الأزمات.
  • دعم اتخاذ القرار: بتحويل المخاطر من مفهوم سلبي إلى فرص استراتيجية تثري عملية صنع السياسات وتوجيه الموارد.

كيف نحدد القيمة

حددت مواصفة ISO 37000 مبادئ حوكمة المنظمات إلى أن فهم المؤسسة لقيمتها يبدأ من تعريف واضح للغرض Purpose، ثم ربط هذا الغرض بما تقدمه من قيمة Value لأصحاب المصلحة وفق منهجية مبسطة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:

  1. تحديد الغرض المؤسسي (Purpose): لماذا وُجدت المؤسسة؟ ما الحاجة التي تسعى لتلبيتها للمجتمع؟
  2. تحديد أصحاب المصلحة (Stakeholders): من هم المستفيدون الرئيسيون من وجود المؤسسة؟ (المواطنون، الشركاء، الحكومة، البيئة…) وما هي توقعاتهم واحتياجاتهم.
  3. صياغة القيمة المضافة (Value Creation): ما هي القيمة التي تحميها أو تضيفها المؤسسة لهؤلاء الأطراف؟ هل هي ثقة، استدامة، رفاه، حماية موارد، أم جميعها معًا؟ ومن هنا تبدأ ادارة المخاطر.

ان فهم المخاطر بهذه المنهجية سيساعد المؤسسة أن لا تكون فقط مجرد مقدم خدمة، بل كيان يحقق غرضًا أعمق، ويُقاس نجاحه بمدى قدرته على حماية وتعزيز هذه القيمة عبر الزمن.

الخلاصة.

إن حصر إدارة المخاطر في حماية الأهداف التشغيلية أو التعامل معها كإجراء امتثال أو متطلب إداري، يجعلها مجرد نظام شكلي لا يضيف قيمة حقيقية،فالقوة الحقيقية لإدارة المخاطر تكمن عندما تصبح أداة لحماية الغرض الاستراتيجي للمؤسسة وقيمتها أمام المجتمع، والمؤسسات اليوم لا تُقاس فقط بقدرتها على تقديم الخدمات بكفاءة، بل بقدرتها على حماية وتعزيز القيمة التي من أجلها وُجدت مثل : الثقة، الاستدامة، رفاه المجتمع، وصيانة الموارد للأجيال القادمة.

وكلما فهمت المؤسسة أن إدارة المخاطر ليست قائمة احتمالات وأثر، بل عدسة استراتيجية تكشف ما يهدد قيمتها ووجودها، تحولت من مقدم خدمة إلى كيان فاعل يصنع الأثرفي المجتمع.

إدارة المخاطر التي لا تُبنى على فهم القيمة ليست سوى نظام إداري عادي، أما إدارة المخاطر المرتبطة بالقرارات الاستراتيجية وحماية الغرض المؤسسي فهي التي تضمن بقاء المؤسسة جديرة بوجودها، اليوم وغدًا.

مقالات أخرى مرتبطة بالمخاطر يمكنك قراءتها : إدراك المخاطر Risk perception ، وصف المخاطر – (3) منهجيات مساعدة

سجل في نشرتنا البريدية!

سجل في نشرتنا البريدية!

Leave a comment