أكثر ما يُلاحظ اليوم أن كلمة “الجودة” أصبحت شعارات رنانة يتردد صداها في كل مكان، من التقارير السنوية للمؤسسات إلى المشاريع والمبادرات والخطط الاستراتيجية، ولكن مع كل هذا الزخم، نجد أن مجمل هذه الشعارات حول الالتزام بالجودة دون أدنى تطبيق لمعاييرها أو فهم متطلبات الجودة في المشاريع أو الخطط أو حتى الخدمات والمنتجات والأداء.
هذه الظاهرة أحببت تسميتها بـ “الجودة الوهمية”، وحقيقةً رغم أن صانع القرار يستخدمها دون وعي ولكن قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب بها، حيث ساهم هذا السلوك في تشويه مفهوم الجودة، وخلق مقاومة قوية لأي محاولات جادة لإحداث تغيير حقيقي داخل المؤسسة مرتبط بالجودة، فعندما تدعي المؤسسة أنها تلتزم بأعلى معايير الجودة، بينما في الواقع هي تفتقر إلى أدنى تنفيذ فعلي لتلك المعايير، فإن هذا لا يعكس فقط نقصًا في المصداقية، بل يؤدي أيضًا إلى إضعاف الثقة بين العملاء والشركاء والموظفين ويصبح المفهوم نفسه مشوشًا وغير موثوق به، مما يزيد من صعوبة تطبيق الجودة الحقيقية في المستقبل.
لكن السؤال، لماذا ينتشر مفهوم الجودة الوهمية؟
هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى انتشار الجودة الوهمية ، ولكن هنا أضع مجموعة مهمة منها بهدف الوقوف عليها والانتباه لها وهي :
- عدم إدراك مفهوم الجودة: نقص الوعي والمعرفة بمعايير الجودة الحقيقية ومفهومها والغرض منها أدى إلى تطبيق غير صحيح أو سطحي للجودة واقتصارها على الالتزام بالتنفيذ فقط.
- الصورة الخارجية للمؤسسة: أصبحت المؤسسات تستخدم كلمة الجودة كمجرد أداة تسويقية دون التزام حقيقي بتطبيق المعايير اللازمة وذلك لإظهار وتلميع صورتها الخارجية وكأنها جهة ملتزمة بمعايير الجودة.
- ضعف الرقابة والتقييم: غياب الأنظمة الفعالة للرقابة والتقييم يجعل من السهل ادعاء تطبيق الجودة دون إثباتها فعليًا، وللأسف هذا ما تمارسه الجهات الإشرافية حين تعلن عن تقييمات والجهات المميزة بدون تقييم فعلي أو حتى زيارة ميدانية للتأكد من التطبيق والأثر الفعلي للجودة.
- الرغبة في التفوق على المؤسسات الأخرى بسرعة دفعت تلك المؤسسات إلى الادعاء بتطبيق الجودة بعشوائية وبدون منهجية واضحة وصحيحة فقط لمواكبة الحدث أو الاتجاهات السائدة.
- ثقافة المؤسسة التي لا تولي اهتمامًا كافيًا للجودة الحقيقية ولا تدعمها ساهمت في انتشار مفهوم الجودة الوهمية.
- غياب القيادة القوية والمحفزة لتطبيق معايير الجودة أثر سلبًا على الالتزام بالجودة كمفهوم وترك مجال تحديد متطلبات الجودة وغايتها دون رؤية ومنهجية واضحتين.
الخلاصة
كما قال هنري فورد، “الجودة تعني أن تفعلها بشكل صحيح عندما لا يكون أحد يراقبك”. هذه المقولة تلخص جوهر الجودة الحقيقية؛ فهي تتعلق بالإتقان والأمانة والنزاهة في الأداء، بغض النظر عن مدى مراقبة الآخرين لك. وإذا تبنت المؤسسات هذه الفلسفة، ستتمكن من تحقيق نتائج مستدامة وتقديم قيمة حقيقية لعملائها وتطبق الجودة وفقًا لغرضها وليس الجودة الوهمية.
يمكنك أيضاً الاطلاع على مقال شكوى العميل: هديةٌ مُغلفة او زيارة مدونة ارتقاء عبر الضغط ( هنا )